الخميس 4 جويلية 2024
الرئيسيةتقاريربعد جدل استقلاليته بعد الثورة.. ما هو دور البنك المركزي التونسي وكيف...

بعد جدل استقلاليته بعد الثورة.. ما هو دور البنك المركزي التونسي وكيف يكون ؟

تلعب البنوك المركزية للدول دورا حاسما في ضمان الاستقرار المالي والاقتصادي، عبر وضع السياسات النقدية الملائمة لمواجهة التقلبات والتحديات الاقتصادية المحتملة، كما تضطلع بدور تعديلي رقابي على بقية البنوك والمؤسسات المالية، في إطار تحسين الخدمات والحوكمة وتعزيز الثقة في هذه المؤسسات.

البنوك المركزية هي عبارة عن مؤسسات مالية أسستها الحكومات لإدارة العملة الوطنية والسيطرة على السياسة النقدية والإشراف على النظام المالي في كل دولة من دول العالم.

ويكون هذا  من خلال أدوات مثل سعر الفائدة وعمليات السوق المفتوحة ومتطلبات الاحتياطي، وتلعب البنوك المركزية في الأثناء دورًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على التضخم ضمن مستويات مستهدفة في كل دولة من دول العالم.

وتعود فكرة البنوك المركزية تحديدا إلى القرون الوسطى، وكانت انذاك الصرافة تتم بشكل أساسي من خلال المصارف التجارية.

ومع مرور الوقت، ظهرت الحاجة إلى وجود سلطة تنظيمية أكثر موثوقية للسيطرة على النقد والسيولة، وفي هذا الاطار يكون أحد أقدم الأمثلة على بنك مركزي هو بنك إنجلترا، الذي تأسس في 1694 لتقديم قروض للحكومة البريطانية وتنظيم المعروض النقدي بالمملكة.

 كان ظهور البنك المركزي البريطاني أبرز تطور شهده العالم باعتباره كان قد جمع بين الدور الحكومي والسيطرة على العملة، مما ساعد في تثبيت الاقتصاد البريطاني خلال الأوقات المالية المضطربة.

وتلعب البنوك المركزية في الوقت الحالي أدوارا محورية في الاقتصاد العالمي، وفي هذا الاطار وبعد  بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 اتخذت البنوك المركزية في العديد من الدول تدابير غير تقليدية مثل التيسير الكمي لضخ السيولة في الاقتصاد وإنعاش النمو، حيث أن هذه الخطوات أظهرت مدى تأثير السياسة النقدية على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

بعد جدل استقلاليته بعد الثورة.. ما هو دور البنك المركزي التونسي وكيف يكون ؟

البنك المركزي التونسي ؟

يعّد البنك المركزي التونسي المؤسسة المالية العمومية المركزية المكلفة بوضع السياسات النقدية للبلاد وإصدار النقد والإشراف على القطاع البنكي إلى جانب إدارة احتياطات الدولة من النقد الأجنبي.

وتمّ إنشاء البنك المركزي بمقتضى قانون صادر في 19 سبتمبر سنة 1958 أي بعد سنتين فقط من استقلال تونس من الاستعمار الفرنسي يوم 20 مارس 1956.

ويعتبر تأسيس البنك المركزي التونسي جزءًا مهما وكبيرا من الجهود المبذولة لبناء نظام مالي واقتصادي مستقل للدولة الجديدة عشية الاستقلال.

وقد أعطي البنك منذ إنشائه مهمة إدارة العملة الوطنية وتنظيم السياسات النقدية وأيضا الإشراف على القطاع المصرفي، لضمان الاستقرار المالي ودعم النمو الاقتصادي في البلاد.

 ويتمتع البنك المركزي التونسي بالاستقلالية المالية وبالشخصية المدنية، وله 12 فرعا في كل من تونس العاصمة وسوسة وبنزرت وصفاقس ونابل وقابس وقفصة والقصرين والقيروان وجندوبة ومدنين والمنستير .

دور رقابي

يضطلع البنك المركزي بمهمة رقابة البنوك والمؤسسات المالية المقيمة وغير المقيمة وتعديل أنشطتها بمقتضى قانون مؤرخ في 25 أفريل 20216.

وتشمل البنوك والمؤسّسات الماليّة 23 بنكا مقيما و7 بنوك غير مقيمة و8 مؤسّسات إيجار مالي وبنكي أعمال ومؤسّستين مختصّتين في خدمة إدارة الدّيون إلى غاية سنة 2020.

وفي هذا الإطار تتولى الإدارة العامّة للرقابة المصرفيّة بالبنك المركزي مهمّة الرقابة على هذه البنوك والمؤسسات المالية وتحرص على أن تمارس نشاطها وفقا للأحكام القانونية والترتيبية الجاري بها العمل بما يحفظ صلابتها المالية ويحمي مودعيها ومستعملي خدماتها، إلى جانب إلزامها بتصرف حذر أكثر صرامة من المعايير المحددة ترتيبيا.

وترمي هذه الرّقابة بالأساس، إلى التّأكد خاصّة من نجاعة منظومة الحوكمة والرّقابة الداخليّة وسلامة الوضعيّة الماليّة والقدرة على التحكّم في المخاطر وإفراز مردوديّة تضمن ديمومة هذه البنوك والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى التأكد من مدى توفّر إجراءات عمل تكفل حسن سير العمليّات وامتثالها للقوانين والنصوص التنظيمية الجاري بها العمل، إلى جانب سلامة الأنظمة المعلوماتيّة وحسن أداء هياكل المراقبة الداخليّة ونجاعة الإجراءات المعتمدة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي الإطار ذاته، خوّل القانون البنكي لمحافظ البنك المركزي مهمة تسليط عقوبات تأديبيّة وخطايا ماليّة على البنوك والمؤسسات المالية، التي تخالف الأحكام المتعلّقة بقواعد التصرّف الحذر والحوكمة والرّقابة الداخليّة والقواعد التنظيميّة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

بعد جدل استقلاليته بعد الثورة.. ما هو دور البنك المركزي التونسي وكيف يكون ؟

رقابة محدودة على المؤسسات المالية

في إطار تقييم الدور الرقابي الموكول للبنك المركزي، أنجزت محكمة المحاسبات مهمة رقابية ميدانية غطت خلالها الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019، والتي تعلّقت أساسا بالإطار الترتيبي المنظّم لهذه البنوك والمؤسسات الماليّة وآليّات الرقابة المصرفيّة وبالجانب التأديبي للبنك المركزي في مجال تسليط العقوبات شملت أساسا البنوك المقيمة حسب توفّر المعطيات بخصوصها.

وخلصت المهمة الرقابية، إلى عدم استكمال إصدار النصوص الترتيبّية تفعيلا لمقتضيات القانون البنكي وبعدم تحيين وانسجام مقتضيات بعض المناشير مع المعايير الدوليّة، علاوة على نقائص في مستوى عمليّات الرقابة المستنديّة وعدم تغطية مهام التفقّد الميداني لجميع البنوك وكافّة مجالات الرقابة.

 كما لم يفعّل البنك المركزي صلاحيّاته التأديبيّة حيث لم يقم بتسليط عقوبات من أجل ارتكاب مخالفات تمّ الوقوف عليها ضمن مهمات التفقّد الميداني أو بمناسبة أعمال الرقابة المستنديّة على البنوك، خاصّة مع عدم تفعيل لجنة العقوبات مما حال دون البتّ في المخالفات التي تندرج ضمن صلاحيّاتها.

وتعلّقت المخالفات التي وقفت عليها المهمات التفقدية الميدانية لمحكمة المحاسبات، بمجالات الحوكمة والرقابة الداخليّة ومجال مكافحة غسل الأموال وإسناد قروض بنسبة فائدة مشطّة والمغالاة على نسبة تأجير الودائع.

وفي هذا السياق، قدّرت المحكمة مبلغ العقوبات غير المسلّطة في مجالي الحوكمة والرقابة الداخليّة بما يناهز 123,125 م.د، وفي مجال مكافحة غسل الأموال بحوالي 47,8 م.د.

لجنة العقوبات

عهد القانون البنكي إلى لجنة العقوبات المحدثة بمقتضى الفصل 172 من القانون البنكي إمكانية اقتراح عقوبات ماليّة على البنوك والمؤسسات المالية ومسيريها ومراقبي حساباتها، خاصّة في حالة عدم الامتثال لتعليمات البنك المركزي والإخفاء المتعمّد للمعلومة أو الإدلاء بمعلومات خاطئة أو تعمّد عرقلة أعوان البنك المركزي المكلّفين بالرّقابة عند مباشرتهم لمهامهم.

ورغم ذلك، لم يتمّ تفعيل لجنة العقوبات المنصوص عليها بالقانون البنكي وهي لجنة مستقلّة من بين صلاحيّاتها تسليط العقوبات على البنوك التي تتعمّد التصريح الخاطئ بمعطيات للبنك المركزي، وتخالف أيضا المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالمعاملات مع الأشخاص المرتبطين بالبنوك والمؤسسات المالية وكذلك على مراقبي الحسابات المخلّين بالالتزامات المنوطة بعهدتهم بمقتضى القانون البنكي.

كما لم يقم البنك المركزي بنشر قرارات العقوبات التي تمّ تسليطها من قبل محافظ البنك المركزي على البنوك خلافا لما يقتضيه القانون البنكي.

استقلالية البنك المركزي في تونس والجدل ؟

بعد الثورة التونسية التي انطلقت خلال سنة 2011، برزت قضية استقلالية البنك المركزي التونسي كموضوع جدلي ومحوري في النقاشات السياسية والاقتصادية.

وتعني الاستقلالية قدرة البنك المركزي على اتخاذ قراراته المتعلقة بالسياسة النقدية بعيدًا عن التدخلات السياسية المباشرة من طرف الاحزاب، مما يمكنه أكثر من التركيز على أهدافه الرئيسية وعلى رأسها استقرار الأسعار والحفاظ على استقرار النظام المالي.

وعاشت تونس بعد الثورة  تحديات اقتصادية كبيرة وعلى رأسها تفاقم البطالة وتردي الوضع الأمني اضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي ما استوجب المضي قدما في إصلاحات اقتصادية ومؤسسية لضمان الاستقرار المالي بالبلاد.

ومع الانتقال الديمقراطي الذي شهدته تونس ظهرت ضغوط سياسية جديدة على المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك البنك المركزي، ما دفع ببعض الأحزاب والقوى السياسية إلى التوجه في فكرة اعتماد مؤسسة البنك المركزي أداة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف اقتصادية قصيرة الأجل، مثل تمويل العجز المالي أو تحفيز الاقتصاد بسرعة.

التشريعات والاصلاحات المتخذة

تم خلال عام 2016، تبني قانون جديد للبنك المركزي التونسي يعزز استقلاليته. هذا القانون شمل عدة نقاط رئيسية:

تعزيز الاستقلالية:  منح القانون الجديد البنك المركزي مزيدًا من الاستقلالية عن الحكومة في اتخاذ قرارات السياسة النقدية.

تعزيز الشفافية: فرض القانون متطلبات جديدة للشفافية والمساءلة، بما في ذلك تقارير دورية إلى البرلمان.

توسيع المهام: حدد القانون دور البنك المركزي بشكل أوضح في مجالات مثل استقرار الأسعار، الاستقرار المالي، والرقابة على البنوك.

أهمية الاستقلالية :

 استقرار الأسعار: تساعد استقلالية البنك المركزي في اتخاذ قرارات تهدف إلى السيطرة على التضخم بشكل فعّال، بعيدًا عن الضغوط السياسية التي قد تدفع إلى سياسات تضخمية.

الثقة في النظام المالي: تعزز الاستقلالية الثقة في النظام المالي والمصرفي، مما يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.

المرونة في الاستجابة للأزمات: تمنح الاستقلالية البنك المركزي القدرة على اتخاذ إجراءات سريعة وفعّالة في مواجهة الأزمات المالية، دون الحاجة إلى موافقات حكومية قد تستغرق وقتًا طويلاً.

رغم الإصلاحات، لا يزال هناك جدل مستمر حول مدى استقلالية البنك المركزي في تونس،حيث يروى عديد المحلولون أن البنك المركزي يجب أن يكون أكثر تنسيقًا مع السياسات الحكومية لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، بينما يؤكد آخرون على ضرورة الحفاظ على استقلاليته لتجنب السياسات التضخمية وضمان استقرار الأسعار.

استقلالية البنك المركزي التونسي بعد الثورة هي قضية حيوية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي للبلاد، خاصة ان القانون الجديد الذي احدث خلال سنة 2016 كان خطوة مهمة نحو تعزيز هذه الاستقلالية، لكن التوازن بين الاستقلالية والتنسيق مع السياسات الحكومية يظل موضوعًا حساسًا يتطلب متابعة مستمرة لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية.

في نفس السياق
آخر الأخبار