التعامل النقدي يتجاوز الـ21 مليار دينار .. هل يمكن التخلي عن “الكاش” في تونس؟

نزيهة نصري

عملت عدة دول، وخاصة المتقدمة منها، على سن تشريعات تتعلق بالتخلي عن التعاملات النقدية بهدف قطع الطريق أمام كل المعاملات غير القانونية.

ومنذ سنوات بدأ الحديث في تونس عن التخلي عن التعامل النقدي، على مراحل، من اجل ادخال أموال الاقتصاد الموازي، الى الدورة الاقتصادية المنظمة .

ويذكر أن هذا الاجراء كان مطلب عدة خبراء من اجل احتواء الأموال المشبوهة وادخالها في الاقتصاد المنظم والاستفادة منها ، لخروج البلاد من الأزمة .

ويجمع الخبراء على أن هذا الإجراء من شأنه أن يسهم في الحد من نزيف العملة التي يقع تداولها خارج الأطر الرسمية، وأن يحارب ظواهر مثل التهرب الضريبي وتبييض الأموال، التي تنخر الاقتصاد التونسي.

الكتلة النقدية المتداولة تسجل زيادة غير مسبوقة

ارتفعت كتلة الأوراق النقدية والمسكوكات المتداولة، بنسبة 10 بالمائة، لتبلغ قيمة 21.4 مليار دينار في أفريل 2024، مقابل 19.4 مليار دينار خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وفق معطيات نشرها البنك المركزي التونسي .

وبحسب البيانات المقدمة من البنك المركزي التونسي فقد تسارع هذا الاتجاه التصاعدي في تداول النقد والعملات الورقية منذ النصف الثاني من السنة الماضية متجاوزا عتبة 20 مليار دينار للمرة الأولى في نهاية جوان.

وتثير هذه الزيادة الكبيرة تساؤلات وتدعو إلى تحليل متعمق للعوامل الأساسية. ساهمت عدة عناصر في هذه الزيادة المذهلة في تداول النقود في تونس.

ويعود ارتفاع الكتلة النقدية المتداولة في السوق إلى تمويل البنوك لميزانية الدولة في شكل سندات إضافة إلى إصدار العملات النقدية دون أن يقابل ذلك نشاط اقتصادي وهو ما ينتقده خبراء الاقتصاد لان زيادة الكتلة النقدية من شأنه أن يتسبب في ارتفاع نسبة التضخم المالي وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وهبوط قيمة الدينار واختلال كل التوازنات المالية في البلاد.

ادماج الاقتصاد الموازي ومقاومة الفساد

قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، في تصريح لموقع “تونيبزنيس”، إن التخلي عن التعامل النقدي مهم جدا اليوم، خاصة في علاقة بمقاومة الفساد.

وشدد على ان اعتماد البطاقات البنكية في التعاملات المالية أصبح توجه عالمي من أجل حماية الاقتصاد الوطني .

كما أفاد بأن هذا التوجه سيمكن من ادماج الاقتصاد الموازي وادخاله في الدورة الاقتصادية المنظمة .

ويذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة العمل الدولية كشف عن نتائج دراسة معمقة ركزت على حجم الاقتصاد غير الرسمي في تونس والتي تهدف الدراسة إلى إعلام صناع القرار العام من خلال تقديم تقدير لوزن النشاط غير الرسمي في الاقتصاد وتحديد العوامل الكامنة وراء السلوك غير الرسمي.

ووفقا لنتائج الدراسة، بلغت حصة القطاع غير الرسمي غير الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي 28.5 % في عام 2020.

وبينت أن  الزيادة في الأوراق النقدية والعملات المتداولة نقدا قد تشكل أيضا مخاطر على الاقتصاد التونسي، من خلال فرض ضغوطا تصاعدية على الأسعار، وانخفاض قيمة العملة الوطنية في الأسواق الدولية، مما يجعل الواردات أكثر تكلفة ويؤثر سلبًا على الميزان التجاري للبلاد.

ويمكن أن يخلق اختلالات في توازن الاقتصاد الكلي مثل العجز في الميزانية والعجز التجاري، مما يقوض الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

إجراءات للحد من التعامل نقدا

كما تجدر الإشارة الى أن الدولة اتخذت إجراءات ضمن قانون المالية خلال السنوات الماضية للحد من التعامل نقدا تتمثل أساسا في تحديد سقف المعاملات بـ”كاش” في حدود 5 الاف دينار.

ويحجر الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2019 حيازة الأموال نقداً وينص على ترشيد تداول الأموال نقداً في المعاملات التي تساوي أو تفوق قيمتها خمسة آلاف دينار نقداً في خطوة من الحكومة للتقليص قدر الإمكان من السيولة المالية في السوق وإعادتها إلى البنوك.

الحسابات البنكية مكلفة والتونسي لا يثق في البنوك

أكد أستاذ الاقتصاد رضا شكندالي أن عزوف التونسيين عن التعامل باعتماد الحسابات البنكية يعود أساسا الى ضعف عدد الأشخاص الذين يمتلكون حسابات في تونس.

وبين أن كلفة الحسابات البنكية مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، خاصة في علاقة بالأداءات الموظفة على هذه الحسابات وعلى البطاقات.

كما لفت الى انعدام ثقة المواطن التونسي في النظام البنكي.

وشدد على ضرورة تهيئة البنية التحتية في علاقة بتمكين التونسيين من حسابات بنكية بكلفة منخفضة من اجل التخلي بصفة كلية عن التعامل نقدا.

وأشار أيضا الى اعتماد العاملين في الاقتصاد الموازي الى السرية في علاقة بقيمة ثرواتهم.

المطالبة بدعم ترشيد التعامل نقدا

صدرت الدعوة الى الحد من التعامل النقدي من عدة اطراف وجهات من بينها المجلس البنكي والمالي ، خلال جلسة عقدتها لجنة المالية والميزانية حول مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي.

وأكد أعضاء المجلس أن خدمات الدفع الرقمي في تونس تتطلب تطوير رقمنة المنظومات المعلوماتية والخدمات المالية، مشددين على أهمية ترشيد تداول الأموال نقدا ودوره في مزيد دعم الإدماج المالي.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version