أمام صراع دولي على الثروات الطبيعية الليبية وعجز طاقي ضخم في تونس.. هل تقدم ملف ربط البلدين بشبكة الغاز الطبيعي؟

نزيهة نصري

يشهد العالم اليوم تحولات كبرى على مستوى السياسة الديبلوماسية، حيث أصبحت ترتكز بالأساس على المصالح الاقتصادية والتجارية.

وأصبحت كل اللقاءات السياسية والديبلوماسية تطرح مواضيع ذات علاقة بالشأن التجاري والاقتصادي، لم تعد هناك بلدان شقيقة وصديقة.

وتغيرت خارطة التحالفات الدولية السابقة، بفضل الحروب والأزمات الاقتصادية، إضافة الى التحديات التي يطرحها الوضع الاقتصادي العالمي مع تغير المناخ وبروز مشاكل جديدة.

تتعلق هذه التحديات بتوفير الغذاء والطاقة والمياه، التي تحولت الى الشغل الشاغل لكل الدول بما في ذلك الدول المتقدمة او “العظمى”.

هذه التحديات تبرز بشكل اعمق في دول تعاني من أزمات اقتصادية خانقة وتدفع فاتورة التغيرات المناخية التي لم تساهم كثيرا في بروزها، هي الدول المصنفة على انها نامية او في طور النمو ومن بينها تونس ومصر وليبيا…

ليبيا وتونس علاقة جوار.. وماذا بعد؟

عرفت العلاقات التونسية الليبية بعد الثورة عدة تقلبات ومنعرجات وتحديات، تتعلق أساسا بالوضع السياسي والأمني في ليبيا.

وقد اثر هذا الوضع على الواقع التونسي، حيث ارتبطت به عدة أزمات، لكن كل هذه العوامل لم يكن لها تأثير عميق على المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وقد حافظت المؤسسات التونسية على تواجدها في السوق الليبية رغم كل الصعوبات، واخرها غلق معبر رأس الجدير وتعطل الحركة به لمدة تجاوزت الـ3 اشهر، وحتى بعد التوصل الى اتفاق تم فتحه امام حركة المسافرين فقط.

وفي علاقة بإمكانية استفادة تونس من الثروات الطبيعية التي تزخر بها ليبيا، والتي تمثل تحدي هام امام الحكومة التونسية، وهي النفط والغاز، تم خلال السنة الحالية الحديث على إمكانية ربط البلدين بشبكة الغاز.

وفي هذا الاطار، ناقشت رئيسة ديوان وزارة الصناعة والمناجم والطاقة في تونس أحلام الباجي السايب، في جانفي 2024، مع وزارة النفط بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة إمكانية ربط البلدين بشبكة الغاز الطبيعي.

جاء ذلك خلال مشاركتها في فعاليات الدورة الثانية لـ”قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد” التي عقدت بالعاصمة طرابلس.

وقد التقت الباجي وزير النفط والغاز محمد عون الذي ناقشت معه سبل توطيد العلاقات الثنائية ودفع الاستثمارات المشتركة في مجال الطاقة وتنويع مصادرها ودعم شبكات الربط بالكهرباء.

كما اجتمعت أحلام الباجي السايب بوزير المواصلات محمد سالم الشهوبي وذلك بحضور سفير تونس في ليبيا الأسعد العجيلي وسفير ليبيا لدى تونس مصطفى قدارة والمدير العام للشركة التونسية لصناعات التكرير العفيف المبروكي.
وأشاد الجانبان خلال هذا اللقاء بمتانة العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وأكدا على ضرورة تحقيق التكامل والشراكة الاقتصادية بين البلدين. وتطرق اللقاء إلى مزيد الارتقاء بمستوى التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، خاصة فيما يتعلق بدفع المبادلات التجارية وتطوير الشراكة في قطاعات الصناعة والطاقة والمناجم.

وحسب بلاغ لوزارة الطاقة التونسية، شكلت القمة الليبية فرصة للمسؤولين من القطاعين العام والخاص في مختلف الدول المشاركة لإبرام شراكات في ظل الرغبة لتعزيز إنتاج النفط والغاز إلى جانب دفع مختلف الشركات الأجنبية والعالمية على الاستثمار في الطاقات المتجددة.

وأجرت ليبيا وتونس والجزائر في نوفمبر 2023 تجربة ناجحة للربط بين شبكات نقل الكهرباء في البلدان الثلاثة، وذلك استعدادا لإطلاق مشروع الربط الكهربائي المتزامن بين شبكات نقل الكهرباء.

صراع دولي حقيقي على الغاز الليبي.. ماذا عن تونس؟

قال رئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان، اليوم الجمعة 19 جويلية 2024، في تصريح لموقع تونيبيزنيس، إن التفاوض بين السلطات التونسية والليبية معدمة تقريبا في الوقت الحالي.

وأضاف أن اليد الطويلة في مسالة الغاز الليبي هي إيطاليا، حيث انه يقع تصديره مباشرة الى هذا البلد الأوروبي.

واكد انه ليس هناك أي تقدم في علاقة بمسألة الربط البلدين بشبكة الغاز الطبيعي رغم توفر أرضية التفاوض.

كما شدد على ان الوضع الأمني في ليبيا وتشتت السلطة بين عدة افراد يؤثر على مثل هذه الاتفاقيات، مؤكدا أن عدة دول اليوم متواجدة في ليبيا للحفاظ على مصالحها المتعلقة بالغاز والنفط.

وأشار الى التواجد الروسي والتركي والأمريكي والإيطالي والمصري في ليبيا من أجل الغاز، قائلا انه هناك صراع دولي حقيقي على الغاز الليبي.

واستبعد ان يتقدم ملف الربط بين ليبيا وتونس بأنبوب غاز الطبيعي، مؤكدا ان السلطات في ليبيا لا تنظر اليوم لمسألة التضحيات التي قدمتها تونس في علاقة بعدم الاستقرار في هذا البلد الشقيق.

وتابع عبد الكبير ان تونس تدفع اليوم ثمن الوضع في ليبيا، في إشارة الى ازمة المهاجرين والإرهاب والتهريب وانتشار الملشيات المسلحة، مفيدا بان ليبيا لا تقدر هذه التضحيات، وفق تعبيره.

وشدد على أن أفضل فترة في  العلاقات الثنائية والتجارية والديبلوماسية والاقتصادية في علاقة البلدين، كانت خلال حكم الراحلين معمر القذافي وزين العابدين بن علي.

 أفاد مصطفى عبد الكبير أن الفاعل الرئيسي في ليبيا اليوم، في إشارة الى الدول الأجنبية، على غرار إيطاليا وتركيا، ليس في توافق مع السياسات التونسية، وفق تعبيره.

واعتبر ان توجه تونس نحو الصين واسيا والزيارات الأخيرة ازعجت الحلفاء التقليديين لبلادنا، الاتحاد الاوروبي، اثرت بشكل مباشر على تفعيل عدة اتفاقيات وعلى المواقف الدولية التي تسيطر في ليبيا.

وبين ان عدة دول على غرار مصر وتركيا ودول الخليج، تحاول اليوم الظفر بالسوق الليبية في كل المجالات، وعلى رأسها ملف الثروات الطبيعية، مشيرا الى ان مصر تستغل هذا الفتور للفوز بكل الصفقات والاتفاقيات.

وقال “لا نلوم على هذه الدول.. ليبيا ساحة مفتوحة وتمتلك ثروات ضخمة والجميع متوجه لها”، متابعا ان تونس كان من المفروض ان تكون هي في صدارة الدول التي تستفيد من ليبيا.

وذكر بان تونس كانت هي الوجهة الأولى لليبيين وكان الحل دائما للسلطات في هذا البلد الجار هو تونس.

كما أشار الى استفادة عدة شركات تونسية من السوق الليبية في السابق، قائلا اليوم لا وجود لتونس في ليبيا تقريبا واكبر مفارقة ان اكثر دولة تؤثر على السلطات الليبية لكنها الحلقة الأضعف في علاقة بالاتفاقيات الاقتصادية”.

وشدد عبد الكبير على ان التعامل الحيادي مع كل الليبيين وكل التوجهات هي نقطة قوة ولكنها لم تستغلها بسبب ضعف الديبلوماسية الاقتصادية، مفيدا بان أكبر دولة كانت حاضرة في أزمات ليبيا هي تونس لأنها تعتبر عمق ليبيا، وفق تعبيره.

وختم بأن تونس أضاعت البوصلة في ليبيا بسبب ضعف الديبلوماسية الاقتصادية والسياسات الاقتصادية المتبعة، حسب تقديره.

العجز الطاقي لتونس

بلغ عجز الميزان التجاري الطاقي للبلاد 5.7 مليار دينار، خلال شهر جوان الماضي، وفق بيانات المعهد الوطني للاحصاء.

وقد ارتفع العجز التجاري في الطاقة خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الجاري 2024، بنسبة 22 بالمئة، مقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي.

وافاد المرصد الوطني للطاقة والمناجم بأن “عجز الميزان التجاري الطاقي بلغ 4.6 مليارات دينار، مقابل 3.77 مليارات دينار في 2023.

الغاز الليبي يخرج مصر من عتمتها

تمتلك ليبيا الدولة الصحراوية ذات المساحة الشاسعة و”العائمة” في ثروات طبيعية ضخمة، مخزون هام من النفط، حيث انها تعتبر من كبار منتجي الغاز في العالم.

واستندت إلى بيانات المؤسسة الوطنية للنفط التي تُظهر تراوح إنتاج الغاز خلال سنة 2024 بين 30 و35 مليون متر مكعب يوميا، تخصص منها 24 مليون متر مكعب لتشغيل محطات الكهرباء.

ويتراوح  إجمالي إنتاج ليبيا السنوي من الغاز الطبيعي يتراوح بين 10 و13 مليار متر مكعب، بتراجع عن المعدل السابق، وهو 15 مليار متر مكعب سنويا.

هذا وبلغ إنتاج ليبيا من النفط  في مارس الفارط مليونا و241 ألف برميل، وفق بيانات المؤسسة الوطنية للنفط.

وقد توصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة الى اتفاق خلال جويلية الحالي، مع نظيره المصري مصطفى مدبولي، على تقديم الدعم اللازم لمصر في مجال الكهرباء بهدف استقرار الشبكة العامة، وتفعيل الربط الكهربائي بين البلدين.

وقالت الحكومة الليبية، إنه تم الاتفاق على تفعيل الربط الكهربائي بين البلدين، وتقديم الدعم اللازم لمصر في هذا المجال.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version