عصيدة الزقوقو: وجبة الفقراء التي تزين موائد الأثرياء

وليد الخطيب

قبل العام 1864 والحادثة المعروفة بانتفاضة علي بن غذاهم، لم تكن هناك إشارات في الوثائق والمؤلفات التاريخية على استهلاك الشعب التونسي لأكلة الزقوقو، إلا أن ما بعد العام 1864، وخاصة بعد انتشار الجوع والفقر في إيالة تونس وتحديدا خلال سنة “بوبرّاك”، أجبر الظروف أهل تونس وبالأخص من هم أقل حالاً على تناول هذه النبتة، وطهيها في القرى والأرياف والمناطق النائية داخل تونس، خاصة تلك الموجودة في الشمال والوسط الغربي المحاذي للجزائر حيث توجد غابات الصنوبر الحلبي التي يُستخرج منها الزقوقو.

يجد منتجو الزڨوڨو صعوبة كبيرة في تسلق الأشجار ومواجهة المخاطر لقطع المخاريط التي تحمل الثمار وجمعها واستخلاص الثمار منها باستخدام أفران تقليدية، ويعانون في عملية التشغيل من إجهاد شديد ومخاطر صحية نظراً لحرارة الأفران العالية وبرودة الجو في الخارج. ويمكن لـ 100 كغ من مخاريط الصنوبر الحلبي أن تنتج حوالي 3 كغ من حبات الزڨوڨو.

استهجان وسخرية كان يواجهها سكان الأرياف من قبل أهل الحواضر والمدن الكبيرة تجاه استهلاك هذه النبتة، إلا أن مع مرور الوقت تطورت طريقة استخدامها وانتشرت من الأرياف إلى المدن الكبرى وربط استهلاكها بالمولد النبوي الشريف على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بينهما، هذا وقد بدأ سكان المدن والعائلات الثرية باعتمادها في أطعمتهم مع إدخال مكونات جديدة إليها مما جعل تكلفتها تزداد، بالأخص مع الارتفاع الكبير في أسعارها وزيادة الطلب عليها بمناسبة المولد بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفواكه وغيرها من المكونات اللازمة لإعدادها ما جعلها باهظة الثمن للغاية وليست في متناول الجميع.

وهكذا، تحولت هذه النبتة من كونها وجبة الفقراء في زمن الشدة والفقر والمجاعة إلى وجبة باهظة الثمن، تُعد الآن ضمن مأكولات الطبقات الغنية والوسطى وأصحاب الحال، ولم يعد الشعب التونسي يقبل على استهلاكها إلا في المناسبات الخاصة مثل المولد النبوي الشريف.

محمد ذويب، كاتب ومؤرخ.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version