عادات رمضانية مستمرة في سليانة: “الحسبة” و”العظم الساري” و”شربة المرمز” و”الخربقة”

وليد الخطيب

تتسرب روائح البخور وخبز الطابون من بيوت الناس استعدادًا لقدوم شهر الصوم، وتنقلك رنة المهراس نحو استكشاف الطقوس الاجتماعية والأعراف الفريدة لشهر رمضان، حيث لكل محافظة من محافظات الوطن تقاليدها وطرقها التي تبرز على نحو خاص في التجمعات الدينية.
في محافظة سليانة، قطاع شمال غرب الدولة، تستقبلك أنغام الغناء الصوفي الخاص بمنطقة سيدي حمادة بمعتمدية سليانة الجنوبية “يا بابا حمادة رانا جيران يا بابا حمادة”، تعلن لزوارها أن سكانها ما زالوا محافظين على تقاليدهم حتى اليوم، على الرغم من مرورهم بتطورات في مختلف المجالات.
تأتي قرية سيدي حمادة كنموذج فريد يجسد الأصالة، وعبير التقاليد والطبيعة الساحرة، وقد تم تسميتها بناءً على اسم الشيخ الولي الصالح “حمادة”. تضم هذه القرية مجموعة من فرق الغناء الصوفي التي تشمل مختلف الأعمار، مثل “سلامية سيدي حمادة” و”فرقة المزود”، وتقع بالقرب من جبل السرج الذي يحوي غزال الأطلس ويحتضن شجرة الدل (شجرة نادرة متواجدة في كندا).
المسنة منوبية الطاهر (90 عامًا)، أحد الشاهدات الحيّة على تقاليد شهر الصيام، ترحب بك بابتسامة واسعة وترتدي زيها التقليدي الأخضر “الملية”، لتبرهن على إصرار الأهالي على الحفاظ على تقاليدهم التي منها ظهور الطبال المكنى ب”بوطبيلة”، لدعوة الصائمين عند وقت الإفطار والسحور، ويجتمع أهل “سيدي حمادة” في المسجد لقضاء ليل مع المدائح والذكر.
تتابع حديثها، مستذكرة أحيانًا بعض الأناشيد الصوفية المعبرة عن المنطقة “قلبي شوق يا ناس شاهي نمشيلها”، مؤكدة أنها لا زالت تعدّ الكسكسي بنفسها، بعد عملية تنقية وتصفية وغربلة السميد ومن ثم البدء بإعداده، كما تحضر شوربة “المرمز” بعد حصاد “الفريك” من الحقول باستخدام المنجل، ثم تطحنه بواسطة عصا على سطح من الإسمنت وتنقيته من الشوائب، ثم تقوم بطهيه في قِدر كبير وتجفيفه وطهيه مرة أخرى وتنظيفه ليتم بعدها قليه وطحنه، ولعل أبرز العادات المميزة لشهر رمضان في المنطقة هي، الزيارات المتبادلة وذكر المدائح والغناء الصوفي، كما أكده ابنها عبد اللطيف الطاهر.
وعلى مسافة حوالي 20 كم من منطقة سيدي حمادة، وبالتحديد في مدينة سليانة، تبدأ الاستعدادات لشهر رمضان، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان، إذ تكثر ربات البيوت من شراء الأواني الفخارية، ويسعى الرجال لتأمين لوازم شهر الصيام، وتتزين المساجد والأماكن العامة، وتكتظ السوق بالبائعين والمشترين، في نشاط تجاري ملحوظ وإقبال كبير على تجهيز “قضية رمضان” من مخبوزات وزيت وغيرها من اللوازم، وتشهد أغلبية المحلات ازدحامًا على الرغم من ارتفاع أسعار جميع السلع.
يذكر المتخصص في الوسائطية وعلوم المتاحف نبيل الزايدي، أن محافظة سليانة تغلب عليها السمات الريفية والبدوية، وظهرت ملامح التوطن مع التجار الجزائريين و”الجرابة” (سكان أصليون من جربة) في الفترة الممتدة بين الخمسينات والستينات والسبعينات بحثًا عن العمل، لذا يفسّر انتقال عادات الريف إلى المدينة، ويوضح أن تقاليد شهر رمضان تختلف بحسب الفصول التي يقع فيها شهر الصيام (يوم “القرش” أو يوم “الوقفة”).
ويبين الزايدي أن من تقاليد شهر رمضان تخصيص بعض المال لشراء اللوازم حسب القدرة، سواء كانت بعض الفخار أو إعداد بعض الطعام، وبعدها يعلن عن قدوم شهر رمضان “براح” بعد الحصول على إذن من شيخ التراب، ويقوم سكان الريف برعاية الأغنام من منتصف النهار حتى قبل وقت الإفطار في فصل الشتاء ومن الصباح حتى منتصف النهار في فصل الصيف، وتقوم النساء بحلب الأبقار وخض اللبن وزيارة الأقارب وتبادل الأطعمة.
ويعتبر أن زيارة الأقارب، تقليد مهم يقاوم الزوال، حيث يتم خلاله تبادل الأطباق بما في ذلك “الرفيسة” و”الكسكسي” و”الشخشوخة”، وتشمل وجبة “الصحور” الحليب وما تبقى من الإفطار، ويعلن الطبال عنها في المدينة وصياح الديك في الريف.
ويشير إلى أن تقليد “الحسبة” لا يزال متجذرًا في المنطقة، حيث يتشارك عدد من الجيران والأصدقاء في شراء الخرفان، ثم يقومون بذبحها وتقسيمها وبيعها بسعر زهيد جدًا، وتُمنح مجانًا للمحتاجين ليلة العيد وفي يوم العيد. ويذكر أن عددًا من العائلات تحضر حلويات العيد في المنزل وتشتري ملابس جديدة وألعاب لأطفالها (بحسب القدرة)، ومن ناحية أخرى يتم تحضير “العصيدة البيضاء” (بالسكر) أو “العصيدة الحارة” في يوم العيد، بالإضافة إلى زيارة المقابر في الساعات الأولى من الصباح. وفيما يخص الألعاب الشعبية، فإن “الحويزة” و”العظم الساري” تعد من أبرز الألعاب التي تجمع الإناث والذكور، إلى جانب “الخربقة” التي تعتبر من الألعاب الشعبية المميزة لجلسات الكبار والشيوخ لتمضية أوقات فراغهم وتسليتهم، وهي لعبة جماعية تعتمد على التركيز والذكاء، وفق ما ذكر الصادق الغربي (82 عامًا) الذي أشار إلى أن عددًا كبيرًا من التقاليد قد اختفى بسبب التطور التكنولوجي وغلاء المعيشة.

مشاركة
علق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version